في السنتين الأخيرتين، أصبحت الرعاية الصحية الشغل الشاغل لسكّان العالم، من صغيرهم إلى كبيرهم، خصوصاً مع انتشار وباء كورونا. هذا المرض الذي اجتاح العالم من دون حسيب ولا رقيب، سلّط الضوء على أهميّة الرعاية الصحيّة، ليس فقط على صعيد الأمراض التنفسيّة، إنما أيضاً شمل مختلف المجالات الطبيّة والصحيّة. فبرز التسويق الإلكتروني الطبي كجزء أساسي من هذه الرعاية.
.
ومع انتقال الأعمال من الحضور الفعليّ والحسيّ في مراكز العمل والمؤسسات، إلى العمل عن بُعد عبر العالم الإفتراضي الإلكتروني، بات من الصعب التوجّه إلى العيادات للحصول على الاستشارات الضرورية. لذا ازدادت الحاجة إلى التواصل الرقميّ، وخصوصاً على الصعيد الصحيّ، وهذا ما دفع بالعديد من المؤسسات الطبيّة والصحيّة إلى الإقبال بكثافة على نشر الوعي والتوعية حول أبرز الخدمات الرعائية الضرورية للمريض عبر المنصّات الإلكترونية على اختلاف أنواعها.
فما الذي يميّز التسويق الإلكتروني عن التسويق التقليدي؟ وما هي خصائص التسويق الإلكتروني الطبي وبما يختلف عن التسويق في مجالات أخرى؟ مديرة قسم التسويق في شركة بسمة، ميساء نصر، تجيب عن كل هذه التساؤلات.
.
التسويق الإلكتروني حاجة العصر
تفاجأت الشركات على اختلاف أنواعها بواقع جديد فرض نفسه عليها، فأعادت النظر في خططها التسويقيّة وركّزت بصورة أساسية على التسويق الرقميّ. وفي هذا الإطار، تشرح نصر أن “وباء كورونا ترك أثره على الشركات التي اضطرت إلى اللجوء إلى خيارات جديدة ومتنوّعة للاستمرار في الأسواق”. وأوضحت أن “الشركات تحتاج إلى التأقلم بسرعة مع احتياجات السوق ومتطلّباته، بما أن غالبية الأشخاص باتوا يعملون من المنزل مع حصر الخروج من البيت بشراء الحاجيات اليوميّة الأساسية. لذا بحثت عن سبل جديدة للوصول إلى الأشخاص، والخيار الأبرز كان العالم الرقمي”.
هذا التحوّل إلى التسويق الإلكتروني، دفع الشركات إلى إجراء تغييرات كبيرة في مجال تسويقها، ولكن نصر ترى أن هذه التغييرات تحمل جانباً إيجابياً، حيث إن “التسويق الإلكتروني يختلف عن التسويق التقليدي من حيث التكلفة، الجمهور المستهدف، إمكانية اللجوء إلى اختبار أ/ب أو ما يعرف باختبار التقسيم وهو أداة تسويقية تساعد على دراسة الخيار الأفضل بين خيارين مطروحين”. كما لفتت إلى أن “التسويق الرقمي يساعد الشركات على تحليل أفضل لعائد الاستثمار لكل حملة إعلانية تقوم بها”.
.
التسويق الإلكتروني الطبي… واقع جديد لا بدّ منه
لم يقتصر التسويق الإلكتروني على الشركات التجارية والصناعية فسحب، إنما أيضاً فرض نفسه كواقع لا بدّ منه في مجال الرعاية الصحيّة، خصوصاً عند انتشار الوباء وتكثيف التوعية حول طرق الوقاية منه والحد من انتشاره.
وتشير نصر إلى أن “ركائز التسويق الإلكتروني الطبي مختلفة تماماً عن التسويق التجاري، حيث تعتبر التوعية والتثقيف الصحيّ العنصرين الأساسيين للانطلاق منهما”. وتضيف “كلما ساهمنا في توعية الناس حول موضوع صحيّ أو طبيّ، زادت ثقتهم بنا، وبالتالي يمكننا تحقيق المزيد من المبيعات أو تسجيل مواعيد المرضى”.
وأشارت إلى أنه “ليس من السهل بتاتاً أن يقوم العاملون في مجال الرعاية الصحية بتسويق أنفسهم، فمن المحتمل أن لا يتمكّنوا من تحديد الفئات المستهدفة بشكل صحيح. لذا من المهمّ أن يكون التواصل دقيقاً ومحترفاً لتفادي تعريض سمعة الاختصاصيين الصحيين للخطر”.
.
العمل عن بُعد يكشف حقيقة جديدة
في ظلّ العمل من المنزل، وما رافقه من لقاءات افتراضية عبر منصّات إلكترونية متخصّصة، ازدادت حاجة الأشخاص إلى الاعتناء بمظهرهم أكثر من قبل، وخصوصاً على صعيد الأسنان. وهذا ما زاد من إقبال المرضى على ترميم أسنانهم وتقويمها، للتمتّع بصحة فم أفضل وابتسامة أكثر تناسقاً.
وفي دراسة أعدّتها شركة Align Technology في العام 2018، كشفت النتائج أن حوالى 60% من الأشخاص يعانون من سوء إطباق الأسنان أو سوء تموضعها، وأن حوالى 300 مليون شخص يمكن أن يستفيدوا من تقويم أسنانهم.
وحول هذا الموضوع، تلفت مديرة التسويق في بسمة إلى أن “التسويق الإلكتروني لصحة الفم مهمّ تماماً كما التسويق لسائر الخدمات الرعائية الصحيّة، وبفضل المنشورات التي تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية، والمقالات المتخصّصة والمقابلات مع أطباء الأسنان واختصاصيّي تقويم الأسنان، بات الناس يتمتعون بوعي أكبر حيال أهمية الحصول على أسنان مستقيمة والعناية بصحة فمهم وأسنانهم”. وتؤكّد نصر أن “التحديّات كبيرة في مجال التسويق الإلكتروني الطبيّ، ولكن التحدّي الأكبر هو كسب ثقة المرضى من خلال هذه المنصّات الرقمية. فمتى كسبنا ثقة المريض، باتت الأمور الأخرى أكثر سهولة”.
وأوضحت أن “المعايير الأساسية التي تنطلق منها بسمة للتسويق الإلكتروني الطبيّ حول تقويم الأسنان هي المصداقية، الوضوح وإظهار النتائج لكسب ثقة المريض”. ولكنها لا تنسى أن تذكّر بأهميّة “الحضور الحسيّ من خلال عيادات متخصّصة ومجهّزة بأحدث التقنيات”.
الرعاية الصحيّة أساسيّة اليوم، ولكن يبقى الحصول على المعلومة الدقيقة والصحيحة التحدّي الأكبر بالنسبة إلى المرضى، فهل يساهم التسويق الإلكتروني الطبيّ في تبديد بعض المفاهيم الخاطئة لدى المرضى؟